1- افتراض الجمهور النشط:
تفترض بعض نظريات التأثير سلبية المتلقي أمام قوة الرسائل الإعلامية، وتأثيرها الفاعل . ويعد مفهوم الجمهور الفاعل النشط من أهم المفاهيم في دراسات الاستخدام والإشباع.
برز مفهوم الاستخدام والإشباع بصفته أحد النماذج النظرية البديلة، والذي ينظر إلى أفراد الجمهور على اعتبار أنهم أعضاء ومشاركون ايجابيون نشطون وفاعلون في الاتصال ويفترض أن لدى أولئك الأفراد العديد من الحاجات والدوافع المختلفة والمتنوعة، والتي يسعون بنشاط وفاعلية لإشباعها من خلال الاختيار من بين الوسائل المختلفة والانتقاء من بين الرسائل المتعددة بطرق وأساليب واعية، وهادفة، ومقصودة.
وفي إطار هذه الافتراضات أصبح مفهوم الجمهور الفاعل النشط يشكل منعطفاً مهماً وأساسياً في دراسة العلاقة التفاعلية المتبادلة بين أفراد الجمهور ووسائل الاتصال الجماهيري.
ويعزى افتراض الجمهور النشط إلى اهتمام الباحثين بدراسة أسباب استخدام الأفراد لوسائل الإعلام، وسلوكهم تجاه هذه الظاهرة. فالجمهور في نظرية الاستخدام والإشباع هو العنصر الأساس الذي ظهر أثناء مفهوم الجمهور العنيد الذي يبحث عما يريد، ويتعرض له، ويتحكم في اختيار الوسيلة التي تقدم المحتوى المطلوب. لذا يفترض هذا المدخل أن إشباع الحاجة التي أملاها الدافع يتم من خلال وسيلة اتصالية معينة يختارها الفرد، لا من خلال التعرض لأي وسيلة اتصالية .
ويرى بلملر (Blumler) أن المقصود بالنشاط عند الجمهور هو الدافع الأساس للتعرض لوسائل الإعلام، إضافة إلى الانتقاء بين الوسائل الرسائل الإعلامية المختلفة التي يمكن أن تحدث وقت التعرض لوسائل الإعلام .
وحيث إن الإدراك هو إدراك انتقائي، فإن الإنسان يدرك ما يختاره، ويختار ما يدركه، وتؤثر العوامل الشخصية والذاتية في تحديد الإدراك الحسي تبعا للفروق الفردية والثقافية، وتمايز الأفراد في تفضيلهم الشخصي. ويرى دينيس ماكويل (D.Macquial) أن الاختيار يعبر عن الذوق السائد في كل الثقافات، وأن مضمون الرسائل الإعلامية يتم تحديده ليستميل الأفراد مثل السلع، وتنقل ليلى السيد رأي هاريس (Harris) الذي يرى أن تأثير وسائل الإعلام يتم من خلال تأثير الانتقاء الذي يختلف حسب الفروق الفردية، ويختلف الناس في إدراك الرسالة وفي طبيعة استجابتهم لها .
وكذلك فإن جمهور وسائل الإعلام يدرك القدرات المتباينة لوسائل الإعلام في تحقيق الإشباع، فالإذاعة مثلا ليست مثل الصحيفة في الأخبار والتحليل، و الصحيفة ليست مثل التلفاز في التسلية والترفيه، وهذه رأي جديدة للجمهور باعتباره مكونا نشطا وفاعلا في عملية الاتصال الجماهيري. وقد قدمت بعض الدراسات أدلة تدعم فكرة الجمهور النشط، حيث كشفت هذه الدراسات عن اختلاف في اختيار الجمهور للقنوات الاتصالية وأن هذا مرتبط بالإشباع الذي يبحث عنه هؤلاء الأفراد .
ويرى ليفي وويندال (Levy and Windall)أن نشاط الجمهور له بعدان هما:
"البعد الأول: التوجيه النوعي للأفراد، وهو على ثلاثة مستويات:
1- الانتقائية: وهي الاختيار المقصود لواحد أو أكثر من البدائل المتاحة...
2- الانشغال: وهي الدرجة التي يدرك بها فرد من الجمهور العلاقة بين محتوى وسائل الإعلام، ودرجة تفاعل الفرد مع المحتوى أو الوسيلة...
3- المنفعة: وهي استخدام الأفراد لوسيلة معينة بقصد تحقيق هدف معين...
البعد الثاني: البعد المؤقت: وهو تقسيم نشاط الأفراد على أساس الجهد المبذول، وهو على النحو الآتي:
1- الانتقاء قبل التعرض: ويرتبط هذا بتوقع الجمهور بأن التعرض لوسيلة دون أخرى أو مضمون معين يحقق لهم الإشباع المطلوب، كما أوضحت ذلك دراسة (ليفي) عام 1977م . وأوضحت الدراسة أن البحث عن المضمون أو الوسيلة عند الأفراد يعكس خبرات الفرد بوسائل الإعلام، وإدراكه لمضامينها...
2- الانتقاء أثناء التعرض: ولهذا علاقة بما قبله، فالتعرض ذاته يظل سلوكاً انتقائياً يحوي عدداً كبيراً من الخيارات للفرد...
3- الانتقاء بعد التعرض: ويرتبط هذا بالتذكر الانتقائي للرسائل التي تعرض لها الفرد، ويعد هذا من نشاط الجمهور في التفاعل مع الرسالة مما يؤدي إلى عدم نسيانها بالكلية...
4- المنفعة قبل التعرض: حيث يحصل الجمهور على منافع قبل التعرض من خلال الحديث، والنقاش الاجتماعي، ومحاولة التنبؤ بما قد يحصل للرسالة...
5- المنفعة أثناء التعرض: وهي المنفعة التي تنشأ من تعرض الفرد لوسائل الإعلام...
6- المنفعة بعد التعرض: ويرتبط هذا بالسلوك الذي ينعكس على الفرد من خلال المعلومات التي حصل عليها من الرسالة" .
2 - الأصول الاجتماعية والنفسية لاستخدام وسائل الإعلام:
تجسد فترة نهاية عقد الخمسينيات من القرن الميلادي الماضي مرحلة من مراحل تطور بحوث الاستخدام والإشباع البداية الحقيقية لتحول أنظار الباحثين، وتوجيه اهتمامهم لدراسة العوامل الاجتماعية والنفسية، وأثرها في الدوافع والحاجات والإشباعات المرتبطة بوسائل الاتصال الجماهيري، واستخداماتها بهدف الكشف عن دور هذه المتغيرات الوسيطة في تكوين الحاجات والدوافع وإيجادها، والتي تكمن وراء استخدام وسائل الاتصال وأنماط التعرض لمحتوى رسائلها، وذلك من خلال الدراسات العديدة التي سعت في ذلك الوقت إلى دراسة بعض المتغيرات الاجتماعية والنفسية المرتبطة بأنماط السلوك الاتصالي للأفراد.
وتؤدي العوامل النفسية والفروق الفردية دوراً مهماً في اختلاف الأفراد في اختيار الرسائل الإعلامية، الأمر الذي أدى إلى مفهوم الإدراك الانتقائي لدى الباحثين .
كمـا أثبتـت نتائـج الدراسـة التي قـام بـها (جون جونسون ) John Johnston) عام 1974م عن المراهقين أن الأفراد لا يتعاملون مع وسائل الإعلام باعتبارهم أفرادا معزولين عن واقعهم الاجتماعي، وإنما أعضاء في جماعات اجتماعية منظمة، وشركاء في بيئة ثقافية واجتماعية واحدة. وتتفق هذه الرأي مع العديد من باحثي نظرية الاستخدامات والإشباعات الذين يعارضون مصطلح الحشد للتمييز بين جمهور وسائل الإعلام، وطبقا لهذه الرأي فإن العديد من الاحتياجات المرتبطة باستخدام وسائل الإعلام ترتبط بوجود الفرد في بيئة اجتماعية، وتفاعله مع هذه البيئة .
وقدم كل من (فرانك) و(جرينبرج) (Frank & Greenberg) عام 1980م الأدلة على أن استخدام الأفراد لوسائل الإعلام ينسجم مع أساليبهم في الحياة، فمع اختلاف الجماعات وتنوع حاجاتها، واهتماماتها يكون لكل جماعة أنماط مختلفة من التعرض لوسائل الإعلام، واختيار المحتوى المناسب .
ويؤكد الباحثون في هذا المجال على أن الإنسان ليس حالة سلبية يتأثر بتلقائية ساذجة بكل الرسائل الإعلامية التي يتعرض لها، إنما تأثره تتدخل فيه متغيرات كثيرة، بعضها النفسي الذي له علاقة بشخصية الفرد، ودوافعه واحتياجاته النفسية، وبعضها الاجتماعي الذي له علاقة بالظروف والعوامل المحيطة بالفرد في داخل البيئة الاجتماعية، فالفرد يختار المضمون الذي يتوافق مع تركيبته الذهنية، ويتلاءم مع استعداده النفسي، وظروفه الاجتماعية، ويلتفت إلى الرسالة المتوافقة مع دوافعه، واحتياجاته، وخبراته، وتوقعاته، وتجاربه النفسية والاجتماعية .
وتذكر ليلى السيد أن (دونيهو) و(بالمجرين) و(ريبرن) (Donohew & Plamgreen & rayburn) قاموا عام 1987م بمحاولة للوصول إلى تفسير لاستخدامات وسائل الإعلام الجماهيرية، فاهتموا بدراسة العوامل النفسية والاجتماعية بما فيها الحاجة إلى النشاط، وأنماط استخدام وسائل الإعلام، فأظهرت نتائج الدراسة التي قام بها أن هناك متغيرات عديدة، اجتماعية ونفسية تؤثر في استخدامات وسائل الإعلام الجماهيري بطرق معقدة، ومتماسكة في الوقت نفسه، ويختلف الاستخدام تبعا لاختلاف هذه العوامل عند الأفراد .
وقد أكد كل من (دينيس ماكويل) (D.Macquial) و(بلملر Blumler) و(براون) (Brown) أثر بعض المتغيرات النفسية في إيجاد حاجات معينة لدى الأفراد، مثل الإنسان الذي يتسم بضعف الشخصية يسعى إلى الهروب من المجتمع الذي يعيش فيه إلى وسائل الإعلام .
وعلى هذا يمكن أن تكون أسباب التعرض لوسائل الإعلام دوافع نفسية، أو اجتماعية تبحث عن إشباع لحاجة، أو حل لمشكلة عبر وسائل الإعلام المتعددة.
وحدد (كاتز Katz) أن الاتجاه نفسه يقوم على دوافع مختلفة بين الناس، وما لم تعرف الحاجات النفسية التي تدفع الفرد إلى استخدام هذه الوسيلة أو تلك، يكون القائم بالاتصال في موقف ضعيف في إشباع الحاجات والدوافع .
ومن خلال ما سبق عرضه يمكن معرفة أهمية هذه النظرية حيث يمكننا توظيف هذه النظرية من حيث إمكان مدى معرفة استخدام طلبة الجامعات للإنترنت الذي يتفق مع أساليب الحياة الاجتماعية التي يعيشونها، ويحكم تعرض الطلبة للإنترنت متغيرات اجتماعية ونفسية، قد يدركها الطلاب وقد لا يدركونها. وعلى هذا، فهذه المتغيرات النفسية والاجتماعية هي التي تحكم استخدام الطلبة للإنترنت، وهكذا فإن طلبة الجامعات لديهم القدرة والتمييز على اختيار الوسيلة، والمضمون المناسبين.(بحسب ما تقول هذه النظرية).
3- دوافع الجمهور، وحاجاته من وسائل الإعلام:
تختلف وجهات النظر عند دراسة دوافع تعرض الجمهور لوسائل الإعلام، ويمكن عرض وجهات النظر في نظرية الاستخدام والإشباع على النحو الآتي:
أ: النظر إلى الدافع باعتباره حالة داخلية، يمكن إدراكها وفهمها مباشرة من قبل الجمهور، وأن المتلقي لديه الوعي والقدرة على الاختيار، والتعبير عن اتجاهاته، يسعى إلى تلبيتها بشكل مباشر.
ب: النظر إلى أن دوافع الجمهور لا يمكن إدراكها وفهمها بشكل مباشر، بل يتم معرفتها من قبل الجمهور بشكل غير مباشر من خلال أنماط السلوك والتفكير.
ج: النظر إلى أن دوافع التعرض لا يمكن الوصول إليها عن طريق ما يقرره الجمهور بصورة واضحة. فالحاجات الأساس مثلا قد تؤثر في تعرض الجمهور لوسائل الإعلام بشكل مباشر، لكن لا يدرك الجمهور أنها دوافع للتعرض، ذلك أن الدافع نتاج اللاوعي للصراعات غير المحسومة.
د: النظر إلى أن سلوك الجمهور للتعرض ليس له أي دافع، وأنه مرتبط بالعادة على التعرض .
وهناك علاقة بين إشباع الحاجات، والدافع إليها، وبين توقع سلوك الفرد الذي يقوم به لإشباع الحاجة، فإشباع الحاجات منطلق من الدافع الذي يؤدي إلى سلوك يشبع الحاجة .
ويشير مساعد المحيا إلى الفرق بين الحاجات والدوافع، فالحاجات هي " كل ما يحتاج إليه الفرد سواء كان عضويا أو ماديا "، بينما الدوافع هي" حالة مؤقتة من التوتر النفسي أو الجسمي تنشأ إثر استثارة لحاجة معينة وتوجه لتحقيق هدف معين" . ويوضح الباحث الفرق بينهما في مثال: الحاجة إلى الأكل ثابتة لا تنتهي عند الإنسان؛ لأن تركها يؤدي إلى الموت، لكن الدافع إلى الأكل هو الجوع، فالدافع هو الأمر المباشر لتلبية الحاجة، ومثل ذلك في الشرب والعطش والحاجة إلى الماء، فالحاجة ثابتة لا تنتهي، والدافع أمر عارض ينتهي بإشباع مؤقت، وقد يعاود النشاط مرة أخرى.
ومع فهم الباحثين في مجالات علم النفس، والإعلام، والاجتماع لتأثير الحاجة، وحركة الدوافع، وعلاقتها بالسلوك الإنساني، ظهرت اتجاهات عديدة لتصنيف الحاجات والدوافع، ومن أبرزها تصنيف (ماسلو) (Masloe) الذي صنف الحاجات إلى قسمين رئيسين هما:
1- الحاجات الأساس: وذلك مثل الحاجة إلى الانتماء، والتواصل مع الآخرين، ورغبة الفرد في تقدير الآخرين له.
2- الحاجات الثانوية: مثل الحاجات المعرفية، كحب الاستطلاع والرغبة في الفهم .
وأما تصنيف الدوافع فقد قام الباحثون بتصنيفها، كل حسب تخصصه، والحظ الأكبر منها لعلماء النفس، ويمكن للباحث أن يعرض تقسيمات الدوافع الإعلامية ومنها:
1- دوافع فردية داخلية: وهي التي تتمثل في رغبة الفرد في القيام بشيء معين لذاته، وهذه الدوافع تحقق للفرد إشباعات فردية، مثل دوافع الفضول، والإنجاز.
2- دوافع اجتماعية خارجية: وهي الدوافع التي تنشأ نتيجة العلاقة بين الفرد، والمجتمع المحيط به، فيقوم الفرد بأفعال معينة لإرضاء المحيطين به أو للحصول على تقديرهم أو إثباتا لذاته .
ويشير (إليهو كاتز) (Elihu Katz) إلى أن الحاجات تنبع أساسا من الأفراد، ويتوقع هؤلاء الأفراد أن وسائل الإعلام تقوم بتلبية حاجاتهم. ويرى (بلملر) (Blumler) و(جورفيتش) أنه لا بد للباحث أن يحدد الأصول النفسية للحاجات أولا، ثم يتعرف على الدوافع المرتبطة بتلك الحاجات، وينبغي ربط هذه الدوافع بتوقعات الجمهور من وسائل الإعلام، وعلى هذا فالدوافع تقوم بوظيفة الدفع والجذب، الدفع في التوقع، والجذب في الطبيعة غير المحسومة للحاجة، وذلك أن الحاجة هي من يولد الدافع ، كما يؤكد (دينيس ماكويل) (D.Macquial) على أهمية النظر إلى مدخل الاستخدامات والإشباعات من منظور مجتمعي، بدلا من المنظور الفردي، ذلك أن الحاجات الفردية لا تظهر بمعزل عن البيئة الثقافية، والاجتماعية، وقدم على هذا نموذجين، أحدهما يؤكد على ربط الاستخدامات بالثقافة، والآخر يؤكد على ربط الاستخدامات بالمعرفة، وذلك حسب الشكل التالي:
(شكل رقم 3)
نموذج دينيس ماكويل (D.Macquial) لربط استخدامات وسائل الإعلام الجماهيرية بالثقافة
ويشير نموذج دينيس ماكويل (D.Macquial) السابق إلى أن دوافع الأفراد تؤدي إلى توقعات عامة تختلف باختلاف الثقافة التي يتم التعبير عنها حسب الذوق الفردي، ومن ثم يتم اختيار الرسائل المطلوبة من بين بدائل عديدة تتيحها وسائل الإعلام الجماهيرية، مما يؤدي إلى الشعور بالرضا، وإشباع الحاجات .
ويضع دينيس ماكويل (D.Macquial) نموذجا آخر يربط بين استخدامات وسائل الإعلام والمعرفة، وهو على النحو الآتي:
(شكل رقم 4)
نموذج دينيس ماكويل (D.Macquial) الثاني لربط استخدامات وسائل الإعلام الجماهيرية بالمعرفة
ويشير النموذج السابق (شكل رقم 4) إلى أن الدافع هو الذي يؤدي إلى اهتمامات عامة تختلف من فرد إلى آخر حسب الاهتمامات الشخصية التي تحكمها الفروق الفردية، فيؤدي هذا بدوره إلى اختيار معلومات يتم الحصول عليها من وسائل الإعلام الجماهيرية، ومن الإنترنت، فتحقق هذه المعلومات الرضا للمستخدم الذي ينعكس في خبرة مفيدة، مثل التوجيه، أو الإرشاد، أو الإخبار، أو التفاعل الاجتماعي .
وأما (كاتز) (Elihu Katz) وزملاؤه فقاموا بصياغة العلاقة بين حاجات الفرد، واتجاهاته السلوكية لإشباع هذه الحاجة من بين البدائل المختلفة، ومنها وسائل الإعلام، وذلك حسب الشكل الآتي:
(شكل رقم 5)
اتجاهات الأفراد لإشباع حاجاتهم من بين البدائل المتعددة
ويرى (كاتز) (Elihu Katz) وزملاؤه أن الأفراد لديهم عدد من العوامل النفسية، والاجتماعية التي تولد حاجات معينة للفرد. وبعدها يبدأ الفرد برسم توقعاته لتلبية هذه الحاجات من وسائل الإعلام، ومن المصادر الأخرى؛ مما يترتب عليه اتخاذ القرار بشأن التعرض لوسائل الإعلام، أو ممارسة أنشطة أخرى يكون من خلالها إشباع لبعض الحاجات الفردية، ويقود هذا الإشباع إلى توليد حاجات أخرى، فيحاول الفرد تلبية هذه الدوافع، وإشباع هذه الحاجات، وهكذا. ويعكس هذا النموذج الفروض الأساس التي تقوم عليها نظرية الاستخدام والإشباع .
وفي إطار آخر اهتم (روزينجرين) (Rosengreen) بنموذج يحدد فيه أهمية الحاجات بدءًا من الحاجة إلى الصحبة وتحقيق الذات، إلى إحساس الفرد بالمشكلات، والبدائل، والحلول، وانتهاء إلى الأنماط السلوكية التي تؤدي إلى إشباع الحاجات من خلال وسائل الإعلام أو غيرها من البدائل المتاحة . وفي نموذج (روزينجرين) (Rosengreen) الآتي، تكون البداية في وجود حاجات فردية لدى الفرد تتفاعل مع الخصائص النفسية، والاجتماعية للفرد، وتتفاعل هذه الحاجات أيضاً مع البناء الاجتماعي بما فيه وسائل الإعلام. ثم يترتب على ذلك ظهور مشكلات لدى الفرد، ويبدأ بالبحث عن حلول لها من بين البدائل المختلفة، فيؤدي ذلك إلى إشباع أو عدم إشباع، فتظهر على إثر ذلك أنماط مختلفة لاستخدام وسائل الإعلام، وتحقق هذه الأنماط إشباعاً للفرد أو عدم إشباع له، وهذا من الممكن أن يتأثر بالخصائص العامة والنفسية للفرد وعوامل البيئة المحيطة به .
(شكل رقم 6)
نموذج (روزينجرين) (Rosengreen) للاستخدامات والإشباعات
4- توقعات الجمهور من وسائل الإعلام:
يتوقع الأفراد من وسائل الإعلام - حال التعرض لها - إشباعاً لحاجاتهم، وتقوم هذه التوقعات على الأصول النفسية والاجتماعية لهؤلاء للأفراد .
لقي مفهوم التوقع الكثير من التعريفات منها على سبيل المثال، تعريف (ماكلويد) (Mcllouid) و(بيكر) (Baker) القائل بأن التوقع هو ( احتمالات الرضا التي ينسبها الجمهور لسلوكيات متنوعة). بينما يرى (بيليد*) و(كاتز) (Elihu Katz) أن التوقع هو "مطالب الجمهور من وسائل الإعلام".
ويرى كاتز (Elihu Katz)في موضع آخر أن التوقع هو (الإشباع الذي يبحث عنه الجمهور) .
ويعد مفهوم التوقع الذي يربط توقعات أفراد الجمهور بخصائص وسائل الاتصال وسماتها ومحتواها، وبقيمة الإشباعات الكامنة، والمحتملة التي تنطوي عليها محتوى رسائلها، التي يمكن أن تتحقق لهؤلاء الأفراد أحد المفاهيم الأساس التي تنطلق منها افتراضات مفهوم الاستخدام والإشباع، وتقوم عليها دراساته حول الجمهور الفاعل النشط.
وتفترض هذه الدراسات أن لدى أفراد الجمهور العديد من التوقعات التي تبرز من خلال قدرة هؤلاء على إدراك البدائل المختلفة في إطار مساحة كبيرة من حرية الاختيار من بين عدد وافر من مختلف الوسائل، والانتقاء من بين كم هائل من محتوى الرسائل، أو حتى من بين البدائل، والمصادر الأخرى غير الإعلامية، والتي تنسجم مع توقعاتهم وتحقق أكبر قدر ممكن من الإشباع لمختلف احتياجاتهم ودوافعهم .
واقترن هذا المفهوم بمدى مقابلة الإشباع الذي يتحقق للأفراد لتوقعاتهم المسبقة لمرحلة ما قبل التعرض بشأن خصائص وسائل الاتصال، وسماتها، ومحتواها، والمتمثل في الإشباعات المتحققة، قياساً بالإشباعات المطلوبة والمتوقعة.
ويجسد ذلك الإطار، الاتجاه النفعي الذي ينطلق منه مفهوم الاستخدام والإشباع، ويعبر عن فرضية تؤكد على أن" استخدام الأفراد لوسائل الاتصال، وتعرضهم لمحتوى رسائلها يقوم على أساس إدراك هؤلاء الأفراد لقيمة الفوائد التي تقدمها الوسيلة، ومحتواها، ومدى تقديرهم لها في إطار مجموعة العوامل، والمتغيرات النفسية التي تقوم على أساس التجارب والخبرات السابقة لهؤلاء الأفراد مع تلك الوسائل ومحتواها" .
وتختلف توقعات الأفراد من وسائل الإعلام تبعا لاختلاف المجتمع، حيث ذكرت ليلى السيد أن دراسة (إدلستاين*) وزملائه المقارنة عام 1989م بين طلبة الجامعات الأمريكية والألمانية واليابانية، أشارت إلى اختلافات في توقع الإشباعات من وسائل الإعلام، وأرجع الباحثون تلك الاختلافات إلى تباين ثقافة وقيم تلك المجتمعات .
ومن خلال نظرية القيمة المتوقعة يمكن معرفة العلاقة بين محاولة الفرد إشباع حاجاته، وتقويمه لوسائل الإعلام. فالفرد يتعرض لرسالة أو وسيلة يتوقع منها إشباع بعض أو كل حاجاته؛ ذلك أن نظرية القيمة المتوقعة تفترض أن سلوك الإنسان يحكمه إدراكه، وتوقعاته للاحتمالات المختلفة .
وتساعد نظرية القيمة المتوقعة في فهم دوافع الجمهور للتعرض لوسائل الإعلام الجماهيرية والإنترنت، من خلال ربط العلاقة بين دوافع الجمهور للتعرض لوسائل الإعلام، وسلوك الجمهور أثناء التعرض .
5- إشباعات وسائل الإعلام:
وفق نظرية الاستخدامات والإشباعات يتم وصف الجمهور بأنه مدفوع بمؤثرات نفسية، واجتماعية للحصول على نتائج معينة يطلق عليها الإشباعات .
ويختلف الباحثون فيما بينهم حول تحديد صورة واضحة لحجم ونوع الإشباعات التي يحصل عليها الجمهور من وسائل الإعلام ، وتقسم كثير من الدراسات الإشباعات إلى نوعين أساسين وهما:
1- الإشباعات المطلوبة: والمقصود بها تلك الإشباعات التي يسعى أفراد الجمهور في البحث عنها بهدف الحصول عليها، وتحقيقها من خلال استخدامهم المستمر والمتواصل لوسائل الاتصال الجماهيري، وتعرضهم لمحتوى رسائلها، وليس بالضرورة أن كل ما يسعى الأفراد إليه من إشباعات يتحقق، لاسيما وأن نتائج العديد من الدراسات لا تزال تؤكد - إلى اليوم - أن مستوى الإشباع المكتسب، أو المتحقق بصورة عامة تقل نسبته عن مستوى الإشباع المطلوب.
2- الإشباعات المتحققة أو المكتسبة: وهي تلك الإشباعات التي يكتسبها الأفراد، ويحصلون عليها، وتتحقق لهم بالفعل من خلال استخدامهم لوسائل الاتصال الجماهيري، وتعرضهم لمحتوى رسائلها، والمتمثلة في تلك القيمة أو المنفعة التي تحملها الرسالة الإعلامية في طياتها، أو الفائدة التي ينطوي عليها المحتوى، أو تتمتع بها خصائص الوسيلة وسماتها، وتحقق إشباعاً حقيقياً لحاجات الأفراد، ودوافعهم .
وتسعى بعض دراسات الاستخدام والإشباع إلى تأييد هذا التصنيف من خلال التركيز على جانبين:
أ- ما يحتاج إليه الجمهور من وسائل الإعلام.
ب- ما يريد الجمهور من وسائل الإعلام .
وقد اهتمت دراسات الاستخدام والإشباع منذ السبعينيات الميلادية بضرورة التمييز بين الإشباعات التي يبحث عنها الجمهور من خلال التعرض، والإشباعات التي تتحقق للجمهور بالفعل نتيجة التعرض، وتوصلت الدراسات إلى نتائج من أهمها: ارتباط الإشباعات التي يبحث عنها الفرد بالإشباعات التي تتحقق له، بمعنى أن كلا منهما يؤثر في الآخر، ولكن لا يحدد مجاله، بمعنى أن الإشباع الذي يتحقق للفرد ليس بالضرورة هو الإشباع الذي يبحث عنه .
ويشير (روزينجرين) (Rosen green) إلى ضرورة اهتمام الباحثين بالتمييز بين النوعين، سواءً في الدراسات النظرية أو التطبيقية، إذا إن الخلط بينهما، أو العجز الواضح في التمييز بينهما أوقع بعض البحوث في نتائج خاطئة، وتداخل في المفاهيم ، حيث إن الفصل النظري يمثل ضرورة ملحة وقائمة، ويجسد خطوة مهمة وحاسمة لتقديم فهم أفضل حول متغيرات الإشباع وأنماطه، وارتباطها بسلوك التعرض، والاستخدام، وعوامل اختيار الوسائل، ومعايير انتقاء محتوى الرسائل.
وتذكر ليلى السيد أن (سوانسون) (Swanson) يرى ضرورة إدراك العلاقة بين طلب الإشباعات، ومفهوم الإطار التفسيري للجمهور، حيث إن الإطار التفسيري يعكس الدوافع الخاصة التي تجعل الجمهور يتعرض لوسيلة معينة أو رسالة معينة، حتى يتحقق له الإشباع المطلوب .
وقد أثبتت دراسات عديدة قدرة الجمهور على التمييز بين وسائل الإعلام على أساس الإشباعات التي يبحثون عنها، أو التي يحصلون عليها .
6- أبرز الانتقادات الموجهة لنظرية الاستخدامات والإشباعات:
بعد تطور البحوث الخاصة بالنظرية منذ السبعينيات الميلادية، وحتى يومنا هذا، وبعد تقديم النظرية لاستراتيجية جديدة لدراسة استخدامات الجمهور، وإشباعاته، وتفسيرها، ازداد إدراك الباحثين لأهمية الجمهور النشط. وعلى الرغم من هذا التطور إلا أن هناك صورا من النقد وجهت للنظرية، منها ما يلي:
1- الانتقاد الموجه إلى مفهوم الوظيفة، فهو كما يرى (دينيس ماكويل) (D.Macquial) يستخدم بمعنى الهدف أو النتيجة أو المطلب، أو التوقع. ومرد هذا الاختلاف إلى الخلط بين الهدف والنتيجة. فالإخبار مثلاً قد يفسر على أنه هدف تسعى وسائل الإعلام إلى تحقيقه، وقد يكون مطلبا وظيفيا تؤديه الوسيلة، وقد يكون رغبة الجمهور من الوسيلة فيصبح بمعنى التوقع أو النتيجة .
2- يرى بعض الباحثين أن النظرية لا تعدو كونها استراتيجية لجمع المعلومات من خلال التقارير الذاتية للحالة العقلية التي يكون عليها الفرد وقت التعامل مع الاستقصاء، خاصة مع الخلاف في تحديد مفهوم الحاجة، والأمر في هذه الحالة يحتاج إلى وضع الفئات الاجتماعية بجانب الدوافع، والحاجات، وفئات المحتوى، حتى يصل الباحث إلى نتائج مفيدة.
3- يركز (دينيس ماكويل) (D.Macquial) على أن نتائج هذه البحوث يمكن أن تتخذ ذريعة لإنتاج المحتوى الهابط، لأنه تلبية لحاجات الجمهور في مجالات التسلية والترفيه.
4- يرى (بلملر) (Blumler)عدم تحديد مفهوم النشاط الذي يوصف به المتلقون، هل هو العمد، أو المنفعة، أو الانتقاء.
5- عدم الاتفاق على مصطلحات النظرية، ومن ثم توظيفها، وربطها بالنماذج المختلفة للإشباع .
6- دخول وسائل جديدة إلى الواقع مثل الإنترنت، وهذه تتطلب مفاهيم جديدة حتى يمكن فهم العلاقة بين الوسيلة وجمهورها.
7- تنظر بحوث النظرية إلى الفرد بعيدا عن البيئة التي يعيش فيها، وتأثير كل منهما في الآخر .
وعلى الرغم من هذه الانتقادات الموجهة إلى النظرية إلا أن ذلك لا يمنع من كونها مدخلاً مهماً لتفسير استخدامات طلبة الجامعات السعودية لشبكة الإنترنت للحصول على المواد الإخبارية.
أما ما ذكره الباحثون من أن دينيس ما كويل (D.Macquial) ركز على أن نتائج هذه البحوث يمكن أن تتخذ ذريعة لإنتاج المحتوى الهابط، فهذا أمر غير مسلم به لهم، حيث إن هذه النظرية نشأت في الغرب، ووضعت أصولها وفرضياتها هناك من قبل الباحثين والمنظرين؛ لذا فهم ينظرون إلى أن هذه النظرية يمكن أن تستخدم ذريعة لإنتاج المحتوى الهابط، بحجة أنه رغبة الجمهور، لكن هذا الأمر في البلدان الإسلامية غير مقبول، ذلك أن الإشباع المطلوب تحقيقه يجب أن يكون منضبطاً بضوابط الشرع المطهر، الذي كفل السعادة والفلاح، للفرد، والمجتمع في الدنيا والآخرة.
إن هذه النظرية تعد من أفضل النظريات التي يمكن من خلالها تفسير الدوافع، وتلبية الحاجات، وهي أكثر النظريات اختبارا وتطبيقا على المجتمعات الشرقية من قبل الباحثين .
تركز هذه النظرية على مفهوم الجمهور النشط، الذي يبحث عن الوسيلة والمضمون الذي يريد، فهو يعرف ما يريد قبل التوجه إليه؛ لذا يمكن القول إن توجه طلبة الجامعات للإنترنت لم يكن ـ على افتراض هذه النظرية ـ غير مبرر، بل إنه فعل يمكن تفسير دوافعه من قبل المستخدم نفسه، وأن الدافع لذلك التعرض هو الحاجة إلى الإشباع، والحاجة لها تأثير في توجيه السلوك.
ويمكن توظيف نظرية الاستخدامات والإشباعات لخدمة أهداف البحث، وذلك بالنظر إلى الإشباع الذي تقدمه شبكة الإنترنت لمستخدميها، وهذه الإشباعات على النحو الآتي:
1- إشباع المحتوى:
وينتج هذا النوع من الإشباعات عن استخدام شبكة الإنترنت من أجل المحتوى لا من أجل الوسيلة نفسها، وينقسم إلى قسمين:
أ- الإشباع التوجيهي: ويتضمن الحصول على المعلومات، والمواد الإخبارية من الشبكة التي تتميز بسرعة النشر، ويرتبط هذا النوع من الإشباع بكثرة الاستخدام، والاعتماد على الشبكة. وتتميز الشبكة في هذا الأمر بعدم وجود قيود أو رقابة على النشر خاصة في المنتديات، ويمكّنها ذلك من نشر معلومات، أو أخبار حساسة، أو خفيفة لا يمكن أن تنشر في وسائل الإعلام التقليدية.
ب- الإشباع الاجتماعي: ويقصد به الربط بين المعلومات التي يحصل عليها الفرد من شبكة الإنترنت، وعلاقاته الاجتماعية، وينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: إشباع اجتماعي إقناعي: وهو المعلومات التي تستخدم في التفاعل الاجتماعي والمناقشات. ويوجد هذا النوع من المعلومات غالباً في المواقع الإلكترونية الموثوق بها، وذات المصداقية، والتحري والدقة في نقل الخبر والمعلومة.
القسم الثاني: إشباع اجتماعي هزلي: وهو المعلومات المثيرة والغريبة التي لا تستخدم عادة في المناقشات الجادة. ويوجد هذا النوع من المعلومات في المنتديات، ومواقع الدردشة، والحوار، والمواقع الإلكترونية الهزلية.
2 - إشباعات الاتصال:
وهي الإشباعات الناتجة عن استخدام شبكة الإنترنت نفسها، واختيار هذه الوسيلة قصداً، ولا يرتبط هذا النوع من الإشباعات بما تقدمه الإنترنت من محتوى. وينقسم إلى قسمين:
أ- إشباعات شبه اجتماعية:
ويقصد بها العلاقة بين الوسيلة والفرد، حيث يشعر الفرد أن شبكة الإنترنت جزء منه لا يمكنه التخلي عنها، ويشجع هذا الشعور وجود الألفة بين الأفراد غير المعروفين لبعضهم البعض، كما يحصل في المنتديات مثلا، من خلال الحوارات الخاصة، واستخدام بعض الألفاظ الدارجة التي تدل على الألفة بينهم.
ب- إشباعات شبه توجيهية:
ويتحقق هذا النوع من الإشباع من خلال تخفيف الإحساس بالتوتر، مثل إشباعات دعم الذات، ويلاحظ ذلك في مواقع التسلية، والترفيه، أو الارتباط الدائم بالإنترنت، ويزيد هذا في الأفراد المنعزلين عن المجتمع .
ومن خلال ما سبق يمكن التعرف على أهمية الإنترنت في حياة الأفراد عموما، وطلبة الجامعات خصوصاً، ذلك أن الإشباع الذي تقدمه شبكة الإنترنت ومحتوياتها، من معلومات توجيهية للطلبة، أو أخبار عالمية يعزز مكانة الطالب الجامعي بين أقرانه عند الحوارات، والمناقشات الجانبية إضافة إلى الإشباع الذي تقدمه شبكة الإنترنت ذاتها بغض النظر عن محتواها.
لقد أظهرت إحدى الدراسات عام 1421هـ أن الشباب السعودي يرتبط بالشبكة من أجل المعلومات التي تقدمها الإنترنت . وتظهر نتائج هذه الدراسة أهمية الإنترنت في حياة الشباب، وأن شبكة الإنترنت تقدم لهم إشباع المحتوى إضافة إلى إشباع الوسيلة؛ وذلك لما تقدمه من معلومات قد لا تتوافر في وسائل الإعلام الأخرى، إضافة إلى أن مستخدم شبكة الإنترنت يتحكم في ظروف الاستخدام، ومكانه بعكس وسائل الإعلام الأخرى.