عماد الدين المراقب العام
الساعة الان : الدولة : عدد المساهمات : 870 تاريخ الميلاد : 02/06/1987 تاريخ التسجيل : 01/07/2012 العمر : 37 الموقع : تلمسان العمل/الترفيه : طالب جامعي المزاج : مرح ومتفائل
| موضوع: جون جاك روسو ج3 الخميس يوليو 05, 2012 5:25 pm | |
| الكتاب الثالثالفصل الأول: في الحكومة بصفة عامةأوجه نظر القارئ إلى أنه يجب قراءة هذا الفصل بعناية وإلى انني لا أعرف كيف أكون واضحا لمن لا يريد ان يكون متنبها.لكل عمل حر سببان يساعدان في إحداثه، أحدهما معنوي وهو الإرادة التي تحدد الفعل، والآخر مادي وهو القوة التي تنفذه. فعندما أسير إلى هدف يجب أولا ان أريد الذهاب إليه، وأن تأخذني قدماي إليه، ثانيا. ولئن أراد مشلول الركض وكان رجل رشيق لا يريد ذلك، فكلاهما يبقى في الحالتين مكانه. وللهيئة السياسية البواعث نفسها، كذلك يمكننا التمييز بين القوة والإرادة، حيث تكون هذه باسم السلطة التشريعية والأخرى باسم السلطة التنفيذية. فما من شيء يجري فيها أو لا يجب ان يجري فيها دون مساعدة هاتين السلطتين.رأينا ان السلطة التشريعية تخص الشعب ولا يمكن ان تخص إلا الشعب. ومن السهل ان نرى على العكس، من المبادئ المقرة فيما تقدم، ان السلطة التنفيذية لا يمكن ان تخص مجموع الناس بوصف هذا المجموع مشرعا أو صاحب سيادة، لأن هذه السلطة لا تتكون إلا من أفعال خاصة، لا تكون قط من اختصاص القانون ولا هي بالتالي من شأن صاحب السيادة الذي لا يمكن لأفعاله إلا ان تكون قوانين.يجب إذن ان يتوفر للقوة العامة عامل خاص يوحدها ويحركها وفقا لاتجاهات الإرادة العامة، يخدم اتصال الدولة بصاحب السيادة، يعمل تقريبا في الشخصية العامة ما يفعله في الإنسان اتحاد الروح بالجسد. هذا هو، في الدولة، سبب وجود الحكومة، الذي يخلط بلا مبرر بينه وبين صاحب السيادة في حين انه ليس إلا خادمها.فما هي الحكومة إذن؟ إنها هيئة وسيطة بين الرعايا وصاحب السيادة من أجل الاتصال المتبادل بينهما، مكلفة بتنفيذ القوانين وبالمحافظة على الحرية المدنية والسياسية على السواء....انني، إذن، أطلق اسم حكومة أو إرادة عليا على الممارسة الشرعية للسلطة التنفيذية، واسم أمير أو وال أو حاكم على الشخص أو الهيئة المكلفة بهذه الإدارة.ذلك ان القوة الوسيطة التي تؤلف علاقاتها علاقة الكل بالكل أو علاقة صاحب السيادة بالدولة، توجد في الحكومة. ويمكن تمثيل تلك الرابطة الأخيرة بالرابطة بين أطراف تكافؤ مستمر، متوسطُهُ المناسب هو الحكومة. فالحكومة تتلقى من صاحب السيادة الأوامر التي يصدرها إلى الشعب ولكي تكون الدولة في توازن سليم يجب، مع توازن الكل، ان توجد هناك مساواة بين النتيجة أو سلطة الحكومة في حد ذاتها والنتيجة أو سلطة المواطنين الذين هم أصحاب سيادة من جهة ورعايا من جهة أخرى.ليس في وسعنا، بالإضافة إلى ذلك، تعديل أي من هذه الحدود الثلاثة دون الإخلال بالنسبة في الحال. فإذا كان صاحب السيادة يريد ان يحكم أو إذا كان الوالي يريد إصدار القوانين أو إذا كان الرعايا يرفضون الطاعة، فإن الاضطراب يحل محل النظام ولا تعود القوة والإرادة تعملان بانسجام، فتسقط الدولة المنحلة على هذا النحو في مهاوي الاستبداد أو في الفوضى. ولما كان لا يوجد، أخيرا، سوى متوسط نسبي واحد بين كل علاقة فإنه لا يوجد كذلك إلا حكومة واحدة صالحة ممكنة في دولة واحدة. ولكن كما ان ألف حادث يستطيع تغيير علاقات شعب فلا يكون في وسع حكومات مختلفة ان تكون صالحة لشعوب متنوعة فحسب بل وتكون كذلك لشعب واحد في أزمنة مختلفة....إلا ان هناك هذا الفارق الأساسي بين هاتين الهيئتين، وهو ان الدولة توجد بذاتها وان الحكومة لا توجد إلا بصاحب السيادة. وعلى هذا فإرادة الأمير السائدة ليست أو لا يجب ان تكون إلا الإرادة العامة أو القانون، وقوته ليست إلا القوة العامة مركزة فيه، وما ان يريد إتيان عمل مطلق ومستقل من تلقاء نفسه حتى تأخذ رابطة الكل بالتراخي. وإذا حدث أخيرا ان صارت للأمير إرادة خاصة أكثر فعالية من إرادة صاحب السيادة فاستعمل، لفرض الطاعة لهذه الإرادة الخاصة، ما يكون في يديه من القوة العامة، بحيث يصبح هناك تقريبا صاحبا سيادة، أحدهما بالحق والآخر بالفعل، انهار الاتحاد الاجتماعي في الحال وانحلت الهيئة السياسية.ولكي يكون لهيئة الحكومة وجود، مع ذلك، حياة حقيقية تميزها عن هيئة الدولة، وليستطيع جميع أعضائها العمل في تناسق واتفاق مع الغاية التي أنشئت من أجلها، يجب ان يكون لها أنا خاصة، هي وعي مشترك بين أعضائها، قوة، إرادة خاصة بها تميل إلى المحافظة عليها. هذا الوجود الخاص يفترض وجود اجتماعات ومجالس وسلطة للمداولة وللحل وحقوق وألقاب وامتيازات يختص بها الأمير وحده وتجعل منصب الحاكم أكثر احتراما بنسبة ما يكون شاقا. وتكون الصعوبات في طريقة تنظيم هذا الكل التابع في الكل بحيث لا يبدل قط التكوين العام بتأكيد تكوينه هو، وأن يميز دائما قوته الخاصة المعينة للمحافظة عليه ذاته من القوة العامة المخصصة للمحافظة على الدولة، وأن يكون باختصار دائما مستعدا للتضحية بالحكومة من أجل الشعب لا بالشعب من اجل الحكومة....الكتاب الرابعالفصل الثاني: في التصويتنرى من الفصل السابق ان الأسلوب الذي تعالج به الشؤون العامة يمكن ان يعطينا مؤشرا أكيدا إلى حد ما عن حالة الأخلاق الحاضرة وعن سلامة الهيئة السياسية. فكلما كان الانسجام سائدا في الاجتماعات، أي كلما كانت الآراء تقترب من الإجماع، كلما كانت كذلك الإرادة العامة مسيطرة، لكن المناقشات الطويلة والانشقاقات والصخب، تنبئ عن تصاعد المصالح الخاصة وعلى انحدار الدولة.يبدو هذا أقل وضوحا عندما تدخل في تكوينها طبقتان أو أكثر، كالأشراف والعامة في روما اللتين كثيرا ما أقلقت منازعاتهما الجمعيات الشعبية، حتى في أزهى أيام الجمهورية. لكن هذا الاستثناء ظاهري أكثر منه حقيقي، ذلك أنه بسبب من الآفة الملازمة للهيئة السياسية نجد، إذا صح القول، دولتين في واحدة، وكل ما لا يكون صحيحا عن الاثنتين معا يكون صحيحا عن كل واحدة منهما على حدة. وفي الواقع، إنه حتى في أشد الأوقات الصاخبة كانت استفتاءات الشعب العامة عندما لم يكن يتدخل فيها مجلس الشيوخ، تجري دائما بهدوء وبأكثرية الأصوات الساحقة. ولما كان المواطنون ليسوا إلا أصحاب مصلحة واحدة فإن الشعب لم يكن له إلا إرادة واحدة.في النهاية الأخرى من الدائرة يتم الإجماع، وذلك عندما لا يعود للمواطنين وقد سقطوا في العبودية لا حرية ولا إرادة. عندئذ يبدل الخوف والتملق التصويت بهتافات، فيبطل التداول ولا يبقى إلا العبادة أو اللعن. وقد كانت هذه هي الطريقة الخسيسة التي يبدي بها مجلس الشيوخ رأيه تحت حكم الأباطرة. وأحيانا كان هذا يتم في ظل احتياطات مضحكة: فقد لاحظ تاسيت، أثناء حكم أوثون (Othon) ان أعضاء مجلس الشيوخ، إذا انهالوا على فيتيلليوس باللعنات، كانوا يتصنعون في الوقت نفسه بإثارة ضجة مخيفة، حتى إذا ما حدث وأصبح سيدا، لا يتمكن من معرفة ماذا قال كل منهم.من هذه الاعتبارات المختلفة تنشأ المبادئ الأساسية التي يجب ان تنظم وفقها طريقة حساب الأصوات ومقارنة الآراء بحسب ما يكون من السهل أو الصعب معرفة الإرادة العامة ومدى زيادة أو قلة انحدار الدولة.وليس هناك سوى قانون واحد يتطلب بطبيعته موافقة إجماعية. ذلك هو العقد الاجتماعي. إذ ان الاتحاد المدني هو أكثر عقود الدنيا اختيارا، فكل إنسان نظرا لأنه يولد حرا وسيدا لنفسه، لا يستطيع أحد، بأية حجة كانت، إخضاعه دون إقراره. فالقضاء بأن ابن العبد يولد عبدا هو القضاء بأنه لا يولد إنسانا.إذا كان قد وجد إذا حين العقد الاجتماعي معارضون فيه، فإن معارضتهم لا تبطل العقد، انها تحول فحسب دون ان يدخلوا فيه، فهم أغراب بين المواطنين. وعندما تكون الدولة قد أسست، فإن الإقامة فيها علامة الرضا، إذ تصبح سكنة الإقليم خضوعا للسيادة.وما خلا هذا العقد الأولي يكون صوت العدد الأكبر ملزما للآخرين جميعهم. انها تتمة للعقد نفسه. ولكن رب سائل يسأل: كيف يمكن لإنسان ان يكون حرا ومرغما على الخضوع لإرادة ليست إرادته؟ كيف يكون المعارضون أحرارا وخاضعين لقوانين لم يوافقوا عليها؟أجيب على ذلك بأن السؤال لم يطرح كما ينبغي. فالمواطن يوافق على جميع القوانين حتى على تلك التي تجاز رغما عنه، بل وعلى تلك التي تعاقبه عندما يجرؤ على انتهاك حرمة واحد منها. ان الإرادة الثابتة لجميع أعضاء الدولة هي الإرادة العامة، فبمقتضاها هم مواطنون وأحرار. وعندما يقترح قانون في مجلس الشعب، فما يطلب منهم ليس بالضبط إبداء موافقتهم عليه أو رفضه، وإنما إذا كان يطابق أولا للإرادة العامة التي هي إرادتهم، وكل واحد وهو يدلي بصوته يقول رأيه في ذلك... وبحساب الأصوات يصدر إعلان الإرادة العامة. وعندما يتغلب إذا الرأي المعارض لرأيي فإن ذلك لا يدل على شيء سوى أنني كنت مخطئا وان ما كنت أقدر أنه الإرادة العامة لم يكنها. ولو ان رأيي الخاص هو الذي تغلب لكنت فعلت غير ما كنت قد أردت، وعندئذ ما كنت لأكون حرا.حقيقة ان ذلك يفترض ان تكون جميع خصائص الإرادة العامة ما زالت بعد في حالة الأكثرية، وعندما تكف عن ان تكون كذلك فلا تبقى هناك حرية أيا كان الفريق المنتمي إليه.إنني إذ أوضحت فيما تقدم كيف تحل الإرادة محل الإرادة العامة في المداولات العامة، قد بينت بيانا كافيا الوسائل العملية لتجنب هذا التعدي وسأتكلم في ذلك أيضا فيما بعد. أما فيما يتعلق بالعدد النسبي للأصوات اللازمة لإعلان هذه الإرادة فقد أعطيت كذلك التي يمكن تحديده بها. ان فرقا من صوت واحد يقضي على التساوي في الأصوات، ويقضي معارض واحد على الإجماع، ولكن بين الإجماع والتساوي توجد عدة تقسيمات غير متساوية يمكن ان نحدد هذا العدد لكل منها بحسب حالة الهيئة السياسية وحاجاتها.ثمة مبدآن أساسيان عامان يفيدان في تنظيم هذه العلاقات: أحدهما هو أنه كلما كانت المداولات هامة وخطيرة، كلما وجب ان يكون الرأي الذي يتغلب مقتربا من الإجماع. والآخر هو أنه كلما كانت المسألة المثارة تتطلب سرعة أكثر كلما كان يجب تضييق الفارق المعين في تقسيم الآراء، أما في المداولات التي يجب إتمامها في الحال فإن زيادة صوت يجب ان تكفي. ويلوح لي ان المبدأ الأول أكثر ملاءمة للقوانين، وأن الثاني أكثر ملاءمة لتصريف الأمور. ومهما يكن من الأمر فإن على المزج بينهما تبنى أفضل النسب التي يمكن منحها للأكثرية من أجل إصدار القرارات. الفصل الثامن: في الدين المدني...قد ينقسم الدين، على ضوء علاقته بالمجتمع التي تكون إما علاقة عامة أو خاصة إلى نوعين، وهما دين الإنسان ودين المواطن. الأول، وهو لا معابد ولا هياكل ولا طقوس، مقتصر على العبادة الداخلية المحضة لله الأعلى، وعلى الواجبات الأخلاقية الأبدية، يكون دين الإنجيل النقي والبسيط، التوحيد الحقيقي، وهو ما يمكن ان نسميه القانون الإلهي الطبيعي. الثاني وهو مدون في بلد وحيد، يمنحه آلهته وشفعاءه الخاصين وحُماته: ان له عقائده وطقوسه وعبادته الخارجية المفروضة بالقوانين، وفيما عدا الأمة التي تعتنقه، يكون كل إنسان بالنسبة له كافرا، أجنبيا، وبربريا، وهو لا يمد واجبات الإنسان وحقوقه خارج حدود هياكله. كانت هذه هي أديان الشعوب الأولى جميعها التي يمكن ان نطلق عليها اسم القانون الإلهي المدني أو الوضعي.ثمة نوع ثالث من الأديان أكثر غرابة، إذ أنه بتقديمه للبشر تشريعين ورئيسين ووطنين، يخضعهم لواجبات متناقضة ويمنعهم من ان يكونوا في ان واحد مؤمنين ومواطنين. ذلك هو دين اللاميين ودين اليانيين والمسيحية الرومانية، ويمكن تسمية هذا الدين بدين الكاهن. وينشأ عنه نوع من القانون المختلط والانطوائي لا اسم له إطلاقا.وإذا ما نظرنا سياسيا إلى هذه الأنواع الثلاثة من الأديان وجدنا أنها جميعها تنطوي على أخطاء. فالثالث واضح كل الوضوح أنه سيئ، ومن العبث إضاعة الوقت في البرهان على ذلك. إذ ان كل ما يفرق الوحدة الاجتماعية لا قيمة له. وجميع المؤسسات التي تضع الإنسان في تناقض مع نفسه لا قيمة لها.والثاني جيد في حدود توحيده للعبادة الإلهية وحب القوانين، وهو إذ يجعل من الوطن موضوع عبادة المواطنين، يعلمهم ان خدمة الدولة هي خدمة الإله الحافظ لها. فهو ضرب من الحكم الديني حيث لا ينبغي ان يكون فيه قط من حبر أعظم سوى الأمير ولا كهنة سوى الحكام. عندئذ يكون الموت في سبيل البلاد استشهادا وخرق القوانين إلحادا وإخضاع الجرم للعنة العامة إسلاما له لغضب الآلهة، فكن صالحا (Sacer estod).لكنه سيئ في أنه يخدع البشر، نظرا لأنه مبني على الخطأ وعلى الكذب، ويجعلهم بلهاء، متعلقين بالخرافات، ويغرق عبادة الله الحقيقية في طوفان من الطقوس الجوفاء. وهو سيئ أيضا، إذ يصبح قاصرا وطاغيا فيجعل الشعب سفاكا ومتعصبا، بحيث لا يتنفس إلا القتل والمذابح ويعتقد أنه يقوم بعمل مقدس وهو يقتل أيا كان لا يؤمن بآلهته. وهو ما يضع مثل هذا الشعب في حالة طبيعية من الحرب مع جميع الشعوب الأخرى، مضرة جدا بأمنه الخاص.يبقى إذن دين الإنسان أو المسيحية، لا مسيحية اليوم، وإنما مسيحية الإنجيل التي تختلف عنها اختلافا تاما. فبمقتضى هذا الدين المقدس، السامي، الحقيقي، يعترف البشر، وهم أبناء الإله نفسه، أنهم جميعا اخوة، والمجتمع الذي يضعهم موحدين لا ينحل حتى الموت.لكن هذا الدين، لما كان لا تربطه أية علاقة خاصة بالهيئة السياسية، يترك للقوانين القوة الوحيدة التي يستمدها من ذاتها دون ان يضيف إليها أية قوة أخرى وبذلك تظل رابطة من اعظم روابط المجتمع الخاصة دون أثر. بل وأكثر من ذلك، فبدلا من ان يربط قلوب المواطنين بالدولة يفصلها عنها كما يفعل بالنسبة لجميع أشياء الدنيا: ولست أعرف شيئا أكثر تناقضا مع الروح الاجتماعية.يقال لنا ان شعبنا من المسيحيين الحقيقيين قد يشكل أكمل مجتمع يمكن للمرء ان يتخيله. وأنا لا أرى في هذا الافتراض سوى صعوبة عظيمة واحدة، وهي ان مجتمعا مكونا من مسيحيين حقيقيين سوف لا يبقى مجتمعا من البشر.بل انني أقول بأن هذا المجتمع المفترض لن يكون رغم كل كماله لا المجتمع الأقوى ولا الأكثر دواما. فمن فرط كماله سوف يفتقر إلى الرابطة، وعيبه المدمر سيكون في كماله نفسه.كل إنسان سوف يقوم بواجبه، والشعب سيخضع للقوانين، ويكون الرؤساء عادلين ومعتدلين، والحكام مستقيمين، نزيهين، وسيستهين الجنود بالموت، ولن يكون هناك لا زهو ولا شرف، فكل هذا جميل، بالغ الجمال، ولكن دعنا ننظر فيما هو أبعد.ان المسيحية هي دين روحاني تماما، لا تشغله سوى أمور السماء وحدها. فوطن المسيحي ليس في هذا العالم. صحيح أنه يؤدي واجبه، لكنه يؤديه بلا مبالاة عميقة بنجاح أو بسوء عاقبة مساعيه. وشريطة ان لا يكون ثمة ما يلام عليه، فلا يهمه ان تسير الأمور كلها سيرا حسنا أو سيئا في هذا العالم الدنيوي. وإذا كانت الدولة مزدهرة فلا يكاد يجرؤ على التمتع بالسعادة العامة، ويخشى ان يأخذه الزهو بمجد بلاده، وإذا هلكت الدولة فإنه يبارك يد الله التي شددت قبضتها على شعبه.ولكي يكون المجتمع هادئا ويبقى الانسجام فيه، لا بد من ان يكون المواطنون جميعهم بلا استثناء مسيحيين صالحين على السواء. ولكن إذا وجد هناك لسوء الحظ، طموح واحد، مخادع واحد، كاتيلينا مثلا، أو كرامويل، فإن مثل هذا الرجل سيجد بلا ريب، سوقا رائجة في مواطنيه الأتقياء. فالبر المسيحي لا يسمح بسهولة بالظن سوءا في الجار. وما ان يجد أحدهم بحيلة ما المهارة في ان يفرض نفسه، ويتولى على جزء من السلطة العامة، حتى يصير رجلا يحف به التكريم، فالله يريد له ان يحترم، وإذا تعسف المؤتمن على هذه السلطة فإنه الصولجان الذي يعاقب به الرب أبناءه. والمسيحي لا يستريح ضميره تماما لطرد المغتصب، إذ لا بد لذلك من إقلاق الراحة العامة واستخدام العنف، وإراقة الدماء، وهذا كله لا يتفق مع وداعة المسيحي، وعلى كل حال ماذا يهم ان يكون الإنسان حرا أو عبدا في وادي البؤس هذا؟ الجوهري هو الذهاب إلى الجنة، وما التسليم إلا وسيلة مضافة في سبيل ذلك.وإذا وقعت حرب خارجية يسير المواطنون بلا مشقة إلى المعركة، ما من أحد منهم يخطر على باله الفرار، انهم يقومون بواجبهم، ولكن دون حماسة للنصر، يعرفون كيف يموتون أكثر مما يعرفون كيف ينتصرون، فماذا يهم إذا كانوا منتصرين أو مهزومين؟ ألا تعلم العناية الإلهية أكثر منهم ما يجب لهم؟ ولنتصور ما يمكن لعدو فخور، متهور ومتحمس، ان يفيد من رواقيتهم! لنضع في مواجهتهم تلك الشعوب الباسلة التي يستبد بها حب فياض للمجد وللوطن، ولنقدر ان هذه الجمهورية المسيحية تواجه إسبارطة أو روما، فإن المسيحيين الأتقياء سيهزمون ويسحقون ويبادون قبل ان يمكنهم الوقت من التعارف، أو أنهم لا يكونون مدينين بنجاتهم إلا للازدراء الذي يكنه لهم عدوهم. لقد كانت عظة جميلة، في اعتقادي، تلك التي قدمها جنود فابيوس، فإنهم لم يقسموا على الموت أو النصر، وإنما أقسموا على ان يعودوا منتصرين، وبروا بقسمهم. وما كان للمسيحيين أبدا ان يفعلوا مثل ذلك،اعترافات كان لـ اعترافات جان جاك روسو،[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][1] التي كُتبت بين 1765-1770 ونُشرت بين 1781-1788 تأثير تاريخي مهم لأنها قدمت طرقاً جديدة لفهم النفس وعلاقتها بالآخرين الذين تعيش في وسطهم. شجاعة الكاتب وتصميمه على إعادة تقييم ما يعتبر القيِّم والتافه، الصواب والخطأ، في حياته يؤثر حتى على من يقرأ الكتاب بعد اكثر من مأتي عام بعد صدوره. الحقائق المعروفة عن حياة روسو محدودة، ربما بسبب الاعترافات التي أعلن فيها انه سيقول الحقيقة كاملة وان اهتم اكثر في واقع الأمر بشرح مبادئه والدفاع عن نفسه. ترك روسو منزله في سن الخامس عشرة وذهب للحياة مع السيدة دوارنز التي حمته وصارت فيما بعد المرأة التي ارتبط بعلاقة معها. عمل في عدة مجالات من سكرتير الى مسئول حكومي في باريس حيث استقر سنة 1745. وقد عاش هناك مع ثريسال قاسور التي ادعت فيما بعد أنها أنجبت له خمسة أطفال ذهبوا جميعا الى منزل الأيتام لرفضه رعايتهم. ان كانت لم تقدم اي أدلة لاثبات هذه الادعاءات، فهو لم يسع لنفيها. أحياناً كثيرة، اضطر روسو للهرب من فرنسا الى سويسرا بسبب بعض ما كتبه، كما ذهب الى لندن سنة 1766 ونزل في ضيافة الفيلسوف ديفد هيوم. وقد سُمح له بالعودة الى باريس سنة 1770، وكان السماح مشروطا بالتوقف عن أنتقاد نظام الدولة في كتاباته. أثارت أفكار روسو التي شرحها في رواية جوليا وفي مذكراته ومقالاته السياسية التي كان أهمها العقد الاجتماعي ضجة كبيرة أثناء حياته. فقد آمن روسو بان المؤسسات الحكومية تُدمر حياة الإنسان، وبان الجنس البشري سينحط مع مرور الزمن اذا لم يرجع الناس الى الطبيعة ويطبقون أسسها على نظم الحياة الاجتماعية. وهو كذلك يؤمن بان فضائل الإنسان العادي تميزه على الطبقات العليا التي أفسدها الثراء البالغ والترف المدقع. مذكراته إذاً تختلف عما كتب من قبل في هذا المجال: فبعكس القديس أوجستن الذي يسعى جاهداً للسمو بروحه فوق سطوة للذات العابرة، وينتقد نفسه بمرارة لبحثه المحموم عنها في شبابه، يقضي روسو الكثير من الوقت في وصف وتحليل اللذات التي يجدها في حياته، وكأن الإقرار بها بصراحة إنجازاً أخلاقياً كبيراً. تصوير نفسه بهذه الطريقة، كلذة وعاطفة، يدل على تعلق الكاتب بنفسه لدرجة النرجسية، اي التركيز على النفس لدرجة عزلها عن الآخرين والواقع الذي تعيش فيه. وهو كذلك يصف نفسه ككائن يتميز بمشاعر سامية عظيمة، وأفكار مشوشة فوضوية، مما يجعله يعتبر العواطف لا العقل أساساً لسلوكه. وهذه النظريات تخلق الشخصية الأساسية في الاعترافات، التي نراها كثيرا وهي تسعى للتعبير عن مشاعر طبيعية يرفضها المجتمع. رسم نفسه بهذه الطريقة، كلذة وعاطفة، بدون اي تحليل لما تعلمه من تجاربه، يدل فعلا على تعلق الكاتب بنفسه.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][1] المصدر الذي نعتمد عليه في هذه الترجمة هو: Jean-Jacques Rousseau, “Confessions,” The Norton Anthology of World Masterpieces New York: Norton, 1985. اما مصدر المعلومات المذكورة في التمهيد فهو مقال Howard Hugo في ذات الكتاب (ص: 463-4). | |
|
مهدي .:: مدير المنتدى ::.
الساعة الان : الدولة : عدد المساهمات : 1220 تاريخ الميلاد : 02/10/1988 تاريخ التسجيل : 28/01/2012 العمر : 36 الموقع : https://alomsia.yoo7.com/ العمل/الترفيه : صحافي المستقبل المزاج : رائع دائما
| موضوع: رد: جون جاك روسو ج3 الخميس يوليو 05, 2012 6:32 pm | |
| وامسك قلمي واكتب لك
انت مبدع
| |
|